رؤية الهلال

رؤيـة الهــــلال

لا يجب صوم رمضان إلا في حالتين :
الحالة الأولى : رؤية الهلال .
الحالة الثانية : إتمام عدة شعبان ثلاثين يوما .
وكذلك الفطر ؛ إما برؤية هلال شوال أو إكمال عدة رمضان ثلاثين يوما .
قال تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(البقرة: من الآية185)
روى البخاري (1900) عن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ .
غم عليكم : أي حال بينكم وبين مشاهدة الغيوم .
وروى مسلم (1081) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاثِينَ يَوْمًا .
عَنْ سِمَاكٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عِكْرِمَةَ فِي يَوْمٍ قَدْ أُشْكِلَ مِنْ رَمَضَانَ هُوَ أَمْ مِنْ شَعْبَانَ ؛ وَهُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَبَقْلا وَلَبَنًا
فَقَالَ لِي : هَلُمَّ
فَقُلْتُ : إِنِّي صَائِمٌ
قَالَ : وَحَلَفَ بِاللَّهِ لَتُفْطِرَنَّ
قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ـ مَرَّتَيْنِ ـ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ يَحْلِفُ لا يَسْتَثْنِي تَقَدَّمْتُ قُلْتُ : هَاتِ الآنَ مَا عِنْدَكَ
قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابَةٌ أَوْ ظُلْمَةٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ شَعْبَانَ ، وَلا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالا ، وَلا تَصِلُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ([1])
قال ابن عبد البر في[ التمهيد 2/42] :
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته " فمعناه صوموا اليوم الذي يلي ليلة رؤيته من أوله ولم يرد صوموا من وقت رؤيته لأن الليل ليس بموضع صيام وإذا رؤى الهلال نهارا فإنما هو لليلة التي تأتي هذا هو الصحيح إن شاء الله .
وقال المناوي في[ فتح القدير 4 /215 ] :
تأسيس رمضان على العدد ملجأ يرجع إليه عند إغماء الشهر ، فصار لهذه الأمة العدد في الصوم بمنزلة التيمم في الطهور يرجعون إليه عند ضرورة فقد هلال الرؤية كما يرجعون إلى الصعيد عند فقد الماء
وقال ابن تيمية : أجمع المسلمون إلا من شذ من المتأخرين المخالفين المسبوقين بالإجماع على أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها لا بالكتاب والحساب الذي يسلكه الأعاجم من روم وفرس وهند وقبط وأهل كتاب ، وقد قيل إن أهلالكتاب أمروا بالرؤية لكنهم بدلوا. أ ـ هـ([2])
تحقق الرؤية بشهادة رجلين من المسلمين : ـ
روى النسائي (2116) عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَدَلِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَالَ : أَلا إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاءَلْتُهُمْ وَإِنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَانْسُكُوا لَهَا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا .([3])
وروى الدارقطني فس سننه (2/167) عن أبو مالك الأشجعي ثنا حسين بن الحارث الجدلي جديلة قيس : أن أمير مكة خطبنا فنشد الناس فقال : من رأى الهلال ليوم كذا وكذا ؟ ، ثم قال : عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما
قال : فسألت الحسين بن الحارث : من أمير مكة ؟
قال : لا أدري ، ثم لقيني بعد فقال : هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب .
قال الدارقطني : هذا إسناد متصل صحيح .
وعن أبي وائل قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين ([4]) " أن الأهلة بعضها أكبر من بعض : فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا ؛ إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية."
0هكذا رواه جماعة عن سفيان([5])
وفي[ مصنف عبد الرزاق 4/163 ] : ـ
ـ عن إبراهيم قال : كتب عمر إلى عتبة بن فرقد : إذا رأيتم الهلال نهارا قبل أن ينعقد الشمس تمام ثلاثين فافطروا ، وإذا رأيتموه بعد أن ينعقد الشمس فلا تفطروا حتى تمسوا .
ـ عن عبد الكريم الجزري أن عمر بن عبد العزيز كره لقوم رأوا الهلال من آخر النهار أن يأكلوا شيئا
ـ قال الحسن بن عمارة : أخبرني الحكم عن يحيى ابن الجزار عن علي قال : إذا رأيتم الهلال أول النهار فأفطروا ، وإذا رأيتموه في آخر النهار فلا تفطروا فإن الشمس تميل عنه أو تزيغ عنه
ـ عن ركين بن الربيع عن أبيه ربيع بن عميلة قال كنا مع سلمان بن ربيعة الباهلي ببلنجر قال : فرأيت الهلال ضحى لتمام ثلاثين فأتيت سلمان بن ربيعة فحدثته فجاء معي فأريته إياه من ظل تحت شجرة فأمر الناس فأفطروا . أ ـ هـ
وقال ابن عبد البر في[ التمهيد 2/44 ] :
وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن والليث بن سعد والأوزاعي ، وبه قال أحمد وإسحاق كل هؤلاء يقول : إذا ُريء الهلال نهارا قبل الزوال أو بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة .
وقال سفيان الثوري وأبو يوسف : أن ُريء بعد الزوال فهو لليلة التي تأتي وإن ريء قبل الزوال فهو لليلة الماضية وروى مثل ذلك عن عمر .أ ـ هـ
وما ذكرناه يدل دلالة واضحة لا لبس فيها على أن الله أمرنا أن نعبده بهذه العبادة على حسب ما أعطانا منرؤية العين المجردة لا بالحسابات الفلكية ولا بالأجهزة الحديثة ! ؛ لأن كل ذلك من التكلف والتنطع الذي نهانا الله عنه ، وكل هذا من التعسير على الناس في عبادتهم لربهم.
لكن لو تولى هذا الأمر طائفة من الناس ثقات وعلموا بثبوت اللهلال من عدمه فهذا من التعاون على البر والتقوى .
قال تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْوَاسْمَعُواوَأَطِيعُواوَأَنفِقُو ا خَيْراً لأَنفُسِكُمْوَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ(16) [التغابن آية: (16)]
وقال تعالى : (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ )[البقرة آية: (286) ]
مسألة : ـ
هل إذا رؤى الهلال في بلد يلزم جميع البلدان الأخرى بالصوم وإن لم يروه ؟

اختلف العلماء في ذلك، والراجح أن كل بلد تلتزم برؤيتها والدليل على ذلك ما رواه مسلم (1087) عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا ، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلالَ ؟

فَقُلْتُ : رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ

فَقَالَ : أَنْتَ رَأَيْتَه ُ؟

فَقُلْتُ : نَعَمْ ؛ وَرَآهُ النَّاسُ ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ

فَقَالَ : لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ

فَقُلْتُ : أَوَ لا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ ؟

فَقَالَ : لا ؛ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَشَكَّ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ـ وهو راوي الحديث ـ فِي : نَكْتَفِي أَوْ تَكْتَفِي

قال النووي في شرح مسلم :
5 ـ باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم .
وقال الترمذي في[ سننه 2/76] :
9ـ باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم
ـ ثم ذكر الحديث وقال ـ : قال أبو عيسى : حديث بن عباس حديث حسن صحيح غريب ، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم .أ ـ هـ
وقال ابن عبد البر في [ التمهيد 14 /358 ] بعد ذكر الخلاف :
قال أبو عمر : إلى القول الأول أذهب ؛ لأن فيه أثرا مرفوعا وهو حديث حسن تلزم به الحجة ؛ وهو قول صاحب كبير لا مخالف له من الصحابة ؛ وقول طائفة من فقهاء التابعين .
ومع هذا إن النظر يدل عليه عندي ؛ لأن الناس لا يكلفون علم ما غاب عنهم في غير بلدهم ، ولو كلفوا ذلك لضاق عليهم .
أرأيت لو رؤى بمكة أو بخرا سان هلال رمضان أعواما بغير ما كان بالأندلس ثم ثبت ذلك بزمان عند أهل الأندلس ، أو عند بعضهم ، أو عند رجل واحد منهم ؛ أكان يجب عليه قضاء ذلك ؟ وهو قد صام برؤية وأفطر برؤية ، أو بكمال ثلاثين يوما كما أمر ! ومن عمل بما يجب عليه مما أمر به فقد قضى الله عنه ، وقول ابن عباس عندي صحيح في هذا الباب .أ ــ هـ

وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم