عصر الركود الفكري

عصر الركود الفكري

تبادر إلى ذهني إن اكتب عن ما ألحظه من ركود فكري في عالمنا العربي اليوم

في شتى المناحي الفكرية الأدبية والسياسية والدينية

ولقد قرأت بهذا الصدد

بأن الإمام محمد بن على بن محمد بن عبد الله الشوكاني

قد عايش هذه الحالة في القرن الثالث عشر الهجري

خاصة في جانبها الفقهي الذي يعد أكثر التصاقا بحياة الأمة

لما له من أهمية في تسيير حياة الأفراد والجماعات

ففي حوار للإمام الشوكاني مع أبيه في بداية تحصيله العلمي

حول مسألة من المسائل الفقهية

يمكننا بوضوح استجلاء معالم هذه الفترة والوقوف على مدى التزام الناس

ومنهم العلماء بمسألة التقليد لأقوال ومصادر بغض النظر عن كونها تحمل رأيا قويا أو ضعيفا

فيذكر الإمام الشوكاني انه وقف على مسألة من مسائل الوضوء تعددت فيها الأقوال

وحين سأل أباه عن تلك الأقوال أيها يكون العمل عليه ؟

قال له أبوه وكان عالما يكون العمل على ما في كتاب كذا

وذكر له احد الكتب المعتمدة آنذاك

فقال الابن: هل صاحب هذا الكتاب أكثر علما من هؤلاء ؟

فرد الأب: لا

فقال الابن: فكيف إتباع قوله دون أقوالهم لازما؟

رد الأب: اصنع كما يصنع الناس

وقد كان هذا الموقف حسب إفادة الشوكاني

هو الباعث الذي استفزه في الإبحار في مختلف الآراء والمذاهب

بغية الوصول إلى أدق الآراء وأكثرها صوابا

ليقف في مرحلة من مراحل العلم يميز بها الراجح من المرجوح

ولقد تأتى له ذلك فتتبع أصح الأدلة وأقواها وعمل بها

بعد أن تمكن من علوم الاجتهاد

تاركا التقليد وراء ظهره ولا يلتفت إليه من قريب ولا من بعيد

بل راح ينكر على المقلدين تمسكهم بأقوال أئمتهم

دون النظر إلى أدلتها وجمودهم على التقليد

ولم يكتف في ذلك بجملة أراء يطرحها هنا وهناك

بل ألف بحثا في ذلك وضح فيه أضرار التقليد سماه

القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد

ومن هنا بدأت المتاعب ومن هنا أصبح الشوكاني هدفا مشاعا

من المقلدين المتعصبين الذين يرون أن مخالفة المذهب هو مخالفة للدين والعقيدة

فلقي كثيرا من العنت والأذى ووصف بألفاظ فظيعة يعف اللسان عن ذكرها

بل ووصلت الإساءة من بعضهم إلي اتهامه في دينه وتحريض العامة عليه

وتذكر بعض المصادر التاريخية

أن مجموعة من الجند دخلوا عليه مدججين بالسلاح وهو يملي درسه المعتاد

في صحيح البخاري في حلقة في المسجد الكبير بصنعاء وأرادوا قتله

فحال طلابه دون ذلك ونجا منهم

خلاصة القول

أترانا عدنا إلى القرن الثالث عشر

وأختم بجزء من قصيده للإمام الشوكاني رحمه الله

طالما ونحن نستشهد به

يقول فيها:

وكم ناصح لم تقبلوا منه نصحَهُ
وان جاء بالحق الذي هو أبرمُ

فهل لكم من يقظة بعد نومة؟
أبينوا لنا ؟ أم انتم الدهر نوًمُ

وهل منكم من ذب عن الملك انه
على جرف هار غداً يتهدمُ

إذا انتم لم تقبلوا ما أقوله
فلا بد منكم أن يطول تندمُ

ويا ربنا اشهد لي عليهم فإنني
نصحت ... وغيري صار للنصح يَكتمُ

ولكم خالص التحية وفائق الاحترام